كانت هده البلدة يعمها الهدوء والسكينة ,وعندما تشرق الشمس يمتلأ جوها بتغريد الطيور ,وضحكات الأطفال,كان سكانها يعيشون حياة بسيطة ويشتغلون بالحرف البسيطة ,كانوا سعداء.
وفي يوم من الأيام قدم إلى هذه البلدة رجل غريب عنها, شكله طويل ,ونحيف ,يرتدي ملابس سوداء ,وقبعة سوداء ,حتى ان وجه لا يكاد ان يرى , فهو لا يعرف احد ولا يعرفه احد في هده البلدة.
عندما وصل إلى البلدة نظر إليه الناس نظرة عجيبة ,لأنه لم يكن لديه ظل , وعندما سال الناس أين يمكن ان يجد مكان للراحة؟ - في ذلك الحين صرخ احدهم قائلا: انه مسخ انه زائل الظل, فهو ليس له ظل ,وكذلك هو يزيل الظل من الأطفال والكبار أيضا ويحولهم إلى مسخ.
وعندئذ فر الناس إلى منازلهم ,وأغلقت أبواب المحلات ,وأصبحت البلدة خالية تماما من الناس, فحزن الرجل حزنا شديدا لذلك.
ومرت الأيام وهم على هذه الحال والرجل ينام في الشوارع, بذلك البرد القارص لا يجد مأوى ولا مآكل,في حال يرثى إليه.
ذات يوم وجد ولد صغير يبكي, فذهب إليه, ففزع الولد منه ,فقال له الرجل : لماذا فزعت مني حين رأيتني؟ فقال : الولد يقال انك مسخ ,وانه ليس لديك ظل ,وانك تحول الناس إلى مسخ وتجعلهم مثلك ليس لديهم ظل ,فقال الرجل: هذا كله كدب ثم قال الولد: فلماذا إذا ليس لديك ظل؟ ومن أنت ؟ ولماذا جئت إلى هنا؟ فقال الرجل: اسمع يا بني أنا لا استطيع ان أرد على كل هذه الأسئلة ,وكل ما استطيع ان أقوله لك: أنا فاعل خير انتقل من بلدة إلى أخرى وامكث فيها شهر لأفعل الخير, ثم اختفي شهر ومن تم اظهر في الشهر التالي في بلدة أخرى, فقال الولد: ولكن أين تذهب حين تختفي؟ قال الرجل: قلت لك لا تسألني عن أي شي لأني لا استطيع الإجابة عليك.
والآن قل لي لماذا كنت تبكي؟ قال الولد الصغير: أنا أعيش مع والدتي المريضة, وأبيع الكبريت لكي اشتري الطعام والدواء, فنحن فقراء,واليوم لم يشتر احد مني الكبريت ولذلك بكيت.
فاخرج الرجل من حقيبته نقود كثيرة وأعطاها للولد قائلا له: هذه لك ولكن بشرط ان تاخدني عندك في منزلك, امكث فيه الأيام الأخيرة ومن ثم ارحل فقال الولد: موافق.
ثم أخده إلى منزله ,وحكي الولد الصغير لوالدته كل الحكاية ففرحت الأم بذلك كثيرا.
مكث الرجل في منزل الولد الصغير وكان يعطيهم النقود الكثيرة, ومن ثم عالج الأم وأعطاهم نقود لكي يشتروا منزل جديد وجعلهم يعيشون في مستوى أفضل مما كانوا عليه .
ومرت الأيام ولاحظ الولد مدى طيبة هذا الرجل ,وكيف هو يرحم الناس ويفعل الخير لهم, ولو ان الناس في هذه البلدة رحبوا به ولم ينفروا منه لحازوا على الخير الكثير.
ومرت الأيام وحان موعد رحيل الرجل , وسلم الرجل على الولد الصغير ووالدته ,وقال له الولد: شكرا لك على كل ما فعلته ,فقال الرجل: لا شكر على واجب , ثم قال الولد: هل سأراك مرة أخرى؟ قال الرجل: دعها للأيام .
ثم رحل الرجل الغريب أو كما يقال له زائل الظل ,فحزن الولد حزنا شديدا على رحيله,ثم خرج الناس من منازلهم ورأوا ما حل بالولد الصغير ووالدته التي تعافت, –من الخير الكثير- فسألوهم عن سبب ذلك فحكى الولد الصغير ووالدته كل ما حدث وماذا قدم لهما زائل الظل الذي فروا منه عندما قدم إليهم ,ولو أنهم استقبلوه لحصلوا على الخير الكثير مثل ما حصلوا عليه من زائل الظل, فندم الناس على ما فاتهم من ذلك الخير
بقلم\سارة عادل محمود